تحت شعار” حياتنا في بيئتنا ” ، نظمت جمعية التوفيق للأعمال الاجتماعية الثقافية الرياضية وإدماج المعاقين بالرباط طيلة المرحلة الممتدة من 2 إلى 13 غشت 2014 مخيما صيفيا بـ”راس الماء” نواحي إفران وآزرو، وذلك في إطار البرنامج الوطني ” عطلة للجميع ” المنظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس من طرف وزارة الشباب والرياضة ووفق ما نفذته ودعمته بحماس ملموس أيضا النيابة الإقليمية للوزارة بإفران من خلال المخيمات الصيفية المقامة حاليا تحت شعار: ” أحبك يا وطني” .
لقد كان هذا المخيم الصيفي غنيا بالفقرات المتنوعة والهادفة مثل باقي المخيمات المقامة بـ” راس الماء” ، والتي سعت وتسعى- بكل ما أوتي مؤطروها من جهد وحماس – إلى مساعدة الأسر في تربية وتثقيف وتوعية أبنائها وتحسيسهم على وجه أخص بأهمية البيئة في حياتنا داخل ذلك الفضاء الغابوي الموحش والممتع والغني بأنواع النباتات الفريدة والخضرة وألوان الطبيعة الزاهية والجمال الأخاذ لمخلوقات الله في المنطقة والماء العذب الزلال المتدفق على مدار الساعة من العيون الطبيعية وبعض الحيوانات المتوحشة كقردة الأطلس وما أكثرها هناك والتي تسلى بها الجميع يوما تلو يوم وأرانب وثعالب وطيور وكلاب غير أليفة تكاد لا ترى بالعين المجردة من فرط رهبتها من الإنسان .
لم أكن لأخلف الموعد وأنا أنجز هذه التغطية من قلب مخيم “جمعية مركزالتوفيق” ، مع أطفال وشباب من مختلف الجمعيات الرابضة هناك ، وهم يتهافتون على المشاركة ليل نهار بحماس منقطع النظير في ورشات توعوية وتحسيسية نظرية وتطبيقية في الميدان مثل محور السلامة الطرقية الذي ساهم في تنشيطه فنانون مغاربة يحبهم الصغار كالمخنتر ، وقد تفاعلوا معهم جميعا بقوة في هذه الورشة، وترسيخ مفهوم البيئة في حياة الانسان ، حيث خصصت لهذا المحور الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة ووزارة الشباب والرياضة قافلة مجهزة بمختلف وسائط التواصل المطبوعة والسمعية البصرية ، تتجول بين مخيمات الموقع ، وقد كتب على واجهة المركبة ” وزارة البيئة : برنامج تشجيع أكياس الثوب .. القفيفة البيئية مفيدة وطبيعية “، ويقود فريقها التحسيسي المتخصص المستشار الإعلامي في البيئة عبدالمجيد الحمداوي الذي أشرف على تنشيط الإحتفال وتسليم جوائز التقدير على الأطفال الفائزين في مسابقة البيئة إلى جانب المفتش العام لوزارة الشباب والرياضة وشخصيات إقليمية أخرى من نفس الميدان ، وقد توج أطفال مخيم “جمعية التوفيق” هنا بأول من حصل على الجائزة الأولى في هذه المسابقة ، تسلمها بالنيابة عنهم رئيس الجمعية أحمد بنجدي شافاه الله ، والذي كان أبا للجميع وخدوما للجميع وسط تهليلات وتصفيقات الأطفال والحضور ، والتي أعطت لجو المنافسة الشريفة في هذا الباب بهجة ورونقا وحماسا .

أما اذا عدنا لما تميز به هذا المخيم من فقرات رائعة خاصة مع أطفال وشباب جمعية التوفيق بالرباط والجمعية المغربية للطفولة والشباب من أجل التنمية بسلا والتي وهبت وجندت أطرها الكفؤة لهذه المهمة الصعبة من خلال اتفاقية شراكة بين الجمعيتين ، فانه يصعب عليك التفضيل بين فقرة وفقرة وورشة وورشة ، فجلها أفلحت رغم قلة الإمكانيات اللوجيستكية وقساوة الطبيعة هناك لمن لا يألفها في إضفاء نكهة خاصة على أنشطة المخيم وتعليم الأطفال والشباب قيم الصبر والجلد والشجاعة والطهارة والكفاية والقناعة والإعتماد على الذات والابتكار والمغامرة المحسوبة وغيرها من القيم التربوية والمجتمعية التي تفيدهم أينما حلوا أو ارتحلوا، قريبا أو بعيدا عن معلميهم و آبائهم .
ومن وحي البرنامج الذي سار عليه المخيم مع تعديل طفيف فيه ، يمكن أن نجمل أهم محاور الإشتغال اليومي التي ميزته :
- صلاة التجمع وتحية العلم الوطني- تزيين المخيم وتنظيفه- خرجات استكشافية للمنطقة- مصالح وتمريض- نشاط الجماعات- قيلولة وعصرونية- حصة الانشاد- ألعاب في الهواء الطلق- مسابقات ثقافية- يوم شعبي- اللعبة الكبرى – ألعاب بلا حدود- الخرجة الكبرى- سهرات متنوعة : سهرة التعارف- سهرة الأطر- اكتشاف المواهب وسهرة التعبير- سهرة جماعة الحياة- سهرة الورشات – سهرة التراث – سميرالليل وأعياد الميلاد والأمسية الختامية.
لكن ما أذهلني هناك وانفرج له خاطري هو ذلك المنظر العجيب الذي أشهده كل يوم طيلة مكوثي بالمخيم والذي لم أجد له تفسيرا سوى مدى تعلق الأطفال واليافعين بمؤطريهم ومؤطراتهم ومحبتهم لهم جميعا لدرجة البكاء والنحيب سواء من جهة الإناث وهو الأقوى أو من جهة الذكور، ففي كل مرة يتنادون مصبحين وممسين على أسماء حفظوها تشتغل كخلية نحل ويتغنون بها طول الوقت ولا يصبرون على فراقها ، فتلكم إيمان وفاطمة الزهراء وأميمة وحياة، وذلكم جمال الملقب بخادم الطفولة ومروان واسماعيل وعبدالخالق ومحمد الواحيدي وعزالدين وغيرهم من الأطر المدربة على الفعل الجمعوي لفئة الأطفال والشباب المستقدمة من الرباط وسلا والحاضرة هناك. كلهم يهتفون باسمائهم ولا ينضبطون لغيرهم ، حتى كانت لحظة الوداع الفاصلة التي سكبت فيها وامتزجت فيها دموع الفراق مع الأطر بدموع اللقاء مع الوالدين يوم اختتام أيام هذا المخيم الرائع بحلوه ومره ، بيسره وعسره وبجديته وهزله وهم يتأبطون بكل فخر واعتزاز شهادات تقديرية سلمت لهم من لدن رئيس الجمعية والمدير التربوي قبل لحظة الوداع .
وقد يكمن سر تعلق أولئك الأطفال واليافعين بأطرهم أيضا في مدى الحرص المتبادل بين الطرفين على إنجاز أفضل الأعمال واللوحات الفنية والمسرحية ، وقد تأتى لهم ذلك بالفعل من خلال تنظيم يوم شعبي عند منبع “عين راس الماء” تخلله حفل زفاف متميز من بطولة وتشخيص بعض الأطفال والطفلات وقد نال إعجاب زوار وسياح المنطقة وأداء رقصة “العيون عينيا” الشهيرة داخل بهو المخيم و”احنا خمس بنات خمسة وخميس علينا” و”تاماري” و”رقصة البارود” والمشهد المسرحي من فصل واحد “حرب العصابات” والرقصات الشعبية والشمالية وغيرها وحكايات السمر الليلي الشعبية ، حيث يتحلق أطفال المخيم حول نار موقدة وكل منهم يلف ملاءة على جسده وهم ينصتون بإمعان إلى الراوية أو الراوي من مخزون الجمعية المغربية للطفولة والشباب من أجل التنمية ، حتى يأتيهم سلطان النوم وهم في الهواء الطلق فتسرح بهم أحلامهم الطفولية الجميلة نحو المخيال الواسع، وما أعظم الحكي الشعبي المستلهم من الخرافات والأساطير خصوصا في السمر الليلي لما له من أثر بالغ على توسيع مدارك الأطفال وتعزيز آفاق التخيل اللامحدود عندهم .
ما أسعد الأيام التي قضيتها هناك إلى جانب شباب المستقبل ورجال الغد رغم النقص الحاصل في تجهيز وتسيير مخيم “راس الماء” مقارنة مع فضاءات شبيهة أخرى بوطننا العزيز، وإن كان الجهد باديا بشكل ملموس على آلية الاشتغال من أجل تحسين ظروف التخييم به ، حيث رأيت الأشغال جارية على قدم وساق هناك من قبل المسؤولين عليه وعمال البناء والتنظيف والصيانة. لكن مع ذلك ، تبقى كلمة الشكر قليلة في حق كل من وفر لهؤلاء الصبية هذا الفضاء الفريد من أجل الاستجمام والتعلم أو ساهم في ذلك من قريب أو بعيد تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس ، وعلى رأسهم وزير الشباب والرياضة والنائب الاقليمي له على إقليم إفران والمفتش العام ومدير الطفولة والشباب بوزارة الشباب والرياضة دون أن يغفل كل مستفيد أو مستفيدة من المخيم المجهود الفكري والبدني الذي بذله رئيس المخيم والمدير التربوي محمد أباه ورئيسا الجمعيتين بالشراكة أحمد بنجدي وجمال بلعزيز وغيرهم من الأطر والكفاءات من المتعاونين والمتعاونات بالمخيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق